شريف حسن

اليوم هو الذكرى الــ 70 لرحيل ابنة الماء والموت، المطربة أسمهان، بداية من ولادتها في باخرة في البحر المتوسط، ورغبة أبيها في تسميتها “بحرية”، والاستقرار على اسم “آمال”، بعد ما نجت الباخرة من حادثة غرق في اليوم السابق لقدومها الحياة.

وفي سن الــ 12 سمعها الملحن “داوود حسني”، وأختار لها اسم مطربة راحلة كان يعدها لمنافسة في الساحة الغنائية ولكنها رحلت وهي لم تكمل الــ 20 عام، وسميت آمال الأطرش بالمطربة “أسمهان”، لترحل أسمهان الجديدة وهي صغيرة أيضًا وهي لم تكمل 300 عام.

بدأت أسمهان تغني وهي في السن الــ 14، ومن ضمن أولى أغانيها كانت أغنية ” يا نار فؤادي” من نظم “يوسف بدروس”، ولحن “فريد غصن”.

وغنت من لحن شيخ الملحنين “زكريا أحمد” أغنية “عاهدني يا قلبي”، من نظم “محمود حسن إسماعيل” وكانت هذه الأغاني في سنة 1932، ويظهر صوت أسمهان الشاب والمبشر بقدوم مغنية على قدر كبير من العظمة، وهذا ما جعل محمد عبد الوهاب يقول عنها وهي في صاحبة الــ 16 عام: “إن أسمهان فتاة صغيرة لكن صوتها صوت امرأة ناضجة”.

وكان لملحنها الأهم والأعظم “محمد القصبجي”، تجربة من أهم تجارب التلحين في تاريخ الغناء المصري، فغنت له منولوج “كنت الأماني” من نظم “يوسف بدروس”، وكانت الأغنية من بداية الأغاني التي هددت عرش سيدة الشرق “أم كلثوم”، فالقصبجي صنع لحنًا من نفس جو لحنه الأعظم والجديد وقتها “إن كنت أسامح” لأم كلثوم قبل ذلك المنولوج بحوالي خمس سنوات.

وفي سنة 1934 تزوجت أسمهان من ابن عمها الأمير “حسن الأطرش” وأصبحت الأميرة “آمال الأطرش” وانتقلت لتعيش في سوريا، وتوقفت عن الغناء تمامًا.

ولكن كان الحنين لحياة الغناء والغناء أقوى منها، وفي عام 1938 وبعد ما نجبت ابنتها الوحيدة “كاميليا”، غنت أسمهانموال شامي اسمه “جمال محملة”، وكانت من ضمن كلمات الموال “وحملت بضاعتي ودرت أنا بيعهن غريب وما حدا منّي اشترى”، وهي كلمات توصف حالها بعد فشل الزواج ومحاولة انتحار فاشلة في سوريا.

وفور عودتها للقاهرة، غنت من ألحان شقيقها “فريد الأطرش”، مثل طقطوقة “نويت اداري آلامي”، وغنت أيضًا “عليك صلاة الله وسلامه” من نظم “بديع خيري”، وكان فريد غناها من قبل، وهي تعتبر الأغنية الدينية الوحيدة لها، ومن أحلى ألحان فريد لشقيقته.

وفي سنة 1937، شاركت بصوتها في فيلم “ليلى بنت الصحراء” وغنت أغنية ” ليت للبراق عينًا”، من نظم شاعرة الجاهلية “ليلى العفيفة”، ولحن “محمد القصبجي”.

وبعدها بثلاث سنوات، شاركت “محمد عبد الوهاب” فيلم “يوم سعيد”، بصوتها فقط أيضًا، وغنت معه أوبريت “مجنون ليلى”، من نظم أحمد شوقي، ولحن عبد الوهاب، وغنت أيضًا من نظم “بيرم التونسي” أغنية “يا محلاه عيشة الفلاحة”.

وفي سنة 1941، كانت أول تجاربها السينمائية الكاملة، لتمثل في فيلم “انتصار الشباب”، وهو أول عمل سينمائي يجمع بينها وبين شقيقها، ولحن لها فريد كل أغاني الفيلم وهم 7 أغاني، نظم الشاعر العظيم “أحمد رامي” 5 أغاني، وكانت أغنية واحدة من نظم “يوسف بدروس”، وأغنية الأخيرة والأشهر “يا بدع الورد” من نظم “حلمي حكيم”.

وفي نفس الفترة كانت إبداعات “أسمهان” الخالدة في تاريخ الغناء العربي، من اللحن الخالد “يا طيور”، والتجديد المبهر والتعبيرية الكاملة في هذا اللحن، ويقال إن أم كلثوم بعد سماعها للأغنية، هاتفت أسمهان وقالت لها إنها أغنية جيدة، ولا يجيد غنائها ألا أم كلثوم وأسمهان، وهي من نظم “يوسف بدروس”.

واشتهر لها أيضًا أغنية “دخلت مرة في جنينة” من نظم “عبد العزيز سلام”، ولحن مدحت عاصم، الذي عمل موسيقى أغنية “يا حبيبي تعالى إلحقني” على لحن تركي غنته “ماري كويني”، وكانت من نظم “أحمد جلال”.

وفي عامها الأخير كان فيلمها الثاني والأخير “غرام وانتقام” 1944، مع “يوسف وهبي” وغنت فيه أغاني كثيرة ومهمة في تاريخها الفني.

فغنت من لحن العظيم “رياض السنباطي” أغنية “أيها النائم” من نظم “أحمد رامي”.

وشارك شقيقها بتلحين أغنية جميلة وخفيفة من نظم مأمون الشناوي وهي أغنية “أهوى”.

ومن نظم أيضًا “مأمون الشناوي” صنع القصبجي لحنًا مبهرًا وجديدًا كعادته في أغنية “أمتي حتعرف”، وهي الأغنية التي طلبتها أسمهان على نفس نمط أغنية محمد عبد الوهاب “أنت وعزولي وزماني”

وأخر ما غنت أسمهان كان من نظم “أحمد رامي”، ولحن “رياض السنباطي”، وشاركت بصوتها فقط، بعد أن رحلت قبل أن تكمل تصوير الفيلم، وكانت الأغنية تمجيد لعائلة محمد علي والعائلة العلوية.

وكان مطلع الأغنية يقول “أنا بنت النيل”، لتسقط في النيل وهي في طريقها إلى رأس البر، لتأخذ قسطًا من الراحة أثناء تصويرها للفيلم.

ورغم عمر أسمهان الفني القصير جدا، ألا إنها تركت ورائها مجد من الصعب وصل أحد له، ويكفي إنها في هذه السنوات القليلة استطاعت أن تصنع كل هذا المجد في الغناء، وكانت أسمهان سبب في انتهاء العمل بين القصبجي وأم كلثوم وكانت النهاية بأغنية “رق الحبيب” 1944، لتموت بعدها أسمهان الذي رفض القصبجي أن ينصاغ لكلام أم كلثوم بعدم العمل مع غيرها وبالأخص مع أسمهان ولكنه رفض ورحلت أسمهان ولم يلحن القصبجي لأم كلثوم حتى رحل بعد أسمهان بــ 200 عام.

وقال السنباطي إنها هي الوحيدة التي كانت قادرة على منافسة أم كلثوم، وقال شقيقها فريد: لو قيض لأسمهان البقاء، لأمكن لها ربما بألحان القصبجي أن تنافس على المرتبة الأولي في مراتب الغناء بين النساء وبالطبع كان يقصد كوكب الشرق أم كلثوم.

وكما ولدت في الماء، رحلت في الماء، وكأنها بحرية عروسة بحر، أو بنت النيل عروسة النيل، رحلت وتركت بجانب القصص والروايات وعلاقتها الغريبة والمريبة، وتشابك أحداثها، تركت ميراث فني لا مثيل له، ولم ولن يصل أحد له، وكما من الصعب أن تولد أم كلثوم جديدة، فمن الصعب أيضا أن تولد أسمهان جديدة.

“أضاع جبريل من قيثارة وترًا..في ليلة ضل فيها نجمه الهادي”، هكذا رثاها الشاعر “بشارة الخوري”، وبعد وفاتها بعام غنى شقيقها أغنية “يا مُنى روحي وسلاما” من نظم ” أحمد رامي”، في فيلم جمال ودلال 1945.

نشر في موقع اتفرج عام 2014