شريف حسن

من الثمانينات أصبح أمر شائع اعتزال الفنانين وإعلان توبتهم عن العمل الفني، والاتجاه إلى التدين والاختفاء عن الساحة الفنية لمدة زمنية، ثم عودة أغلبهم في أعمال دينية في بادئ الأمر ثم في أعمال درامية، لكن لم يتحول أحد بهذا الشكل الدموي والقبيح، كما حدث مع الشاعر والكاتب محمد ناصر علي.

صعب أن تصل إلى السبب الحقيقي وراء هذا التحول الفج، كيف يتحول شخص من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، الموضوع غير متعلق بفكرة الدين بالطبع، ولكن بالكره والدموية، كيف من مصدر للجمال إلى القبح، إلى هذا القدر من الكره والدموية والألفاظ النابية اتجاه أي شخص يخالفه الرأي.

هذا التحول مخيف، خاصة لو علمنا تاريخ محمد ناصر منذ بدايته، لو سمعنا ما كتب، للأسف كلنا لنا ذكريات مع كلماته، محمد ناصر، خريج كلية فنون جميلة، قسم نحت، جامعة المينا، ثم تخرج من المعهد العالي للنقد الفني بأكاديمية الفنون، إي أنت تتعامل مع شخص ليس فقط هاوي ومحب للفن والجمال والرسم والنحت، لكنه دارس تلك الفنون ونقدها أيضًا.

وجيه عزيز، من الموسيقيين الهادئين، إن كان في أغانيه أو ألحانه أو شخصه، يقدم الفن للفن، لا يفكر في شهرة أو منافسة أو سوق، قدم ألبومات قليلة، وقد شاركه هشام نزيه ومحمد ناصر في فرقة “أوتار مصرية” في بداية التسعينات، وكتب محمد ناصر أحلى أغاني وجيه عزيز، وخاصة في الألبوم الأول “يا ليل”، مثل أغنية “نفس الاحساس” مع إيمان يونس.

عاشق للكون في هواكي وراسم أحلام وياكي/ وأسأل عن قلبي معاكي وأسكت لما اسمع ردك

حقا الذي كتب هذا الكلام هو محمد ناصر المذيع في قناة “الشرق” ثم قناة “مصر الآن”، وهو أيضًا من كتب “معرفش ليه” و”شوية هموم”، “ساكتة ليه”، “بغيب”، كيف يشعر الآن وهو يسمع لهذه الأغاني، وهل مازال يسمع أو يعترف بهذه الأغاني وهذه الفترة من حياته؟! هل ذات صباح شعر كما قال سابقًا «بغيب لكن برجع وأحس بوحشه للشارع وللحارة وللقلة على شباكي» ؟! هل يتذكر البدايات مع رفيقه وجيه عزيز؟!

كيف من كتب للأطفال؛ من كان يفكر في مستقبلهم، أن يرحل بعيدًا عنهم لهذه الدرجة، كتب ناصر أوبريت “تيجي نبني بيت” مع وجيه عزيز، وغناء كورال جمعية الصعيد عام ١٩٩٣، وكتب بعدها أوبريت “حصان خشب” لنفس الكورال، وكتب أيضًا أوبريت “سوق الحواديت”، وشارك في برامج ورحلات فنية لتعليم الرسم للأطفال.

لا أعرف كيف يشعر وجيه عزيز الآن اتجاه رفيقه، عبر المخرج محمد خان عن حزنه لتحول صديقه بهذه الدرجة، فقد شارك ناصر مع خان في عدة أعمال، فمثل في فيلمي “بنات وسط البلد” و “في شقة مصر الجديدة”، وكتب أيضًا لخان سيناريو فيلم “كليفتي”، وكان من المفترض أن يشارك في كتابة فيلم “ستانلي”، وكتب أيضًا سيناريو فيلم “هرج ومرج” 2013 للمخرجة نادين خان.

مش قادر أعرف هو أنا الي خلاص/ بقيت كبير ولا الحجات دلوقتي أصغر/ زي وأنا صغير زي وأنا صغير

هكذا تساءل ناصر بصوت وجيه عزيز في فيلم “المدينة” إخراج يسري نصر الله، كما كتب أغنية فيلم “أخر الدنيا”، وغناها هشام عباس، وأغنية فيلم الراحل علاء ولي الدين “عربي تعريفة”، كل ذلك بالطبع حدث قبل التحويل المخيف، عمل بأعداد البرامج، كبرنامج “حسين الإمام على الناصية”، وكتب تتر البداية والنهاية لفوازير “فرح فرح” 2003، بطولة غادة عبد الرازق ومدحت صالح، وإخراج محمد خان.

لكن تبقى أغنية “إن ماقدرتش تضحك” من فيلم هيستريا وغناء أحمد زكي، ولحن وجيه عزيز، هي أجمل الأغاني في مسيرتهم كلهم، بكل ما تحمل من صراعات بين اليأس والأمل، بين الظلام والنور، هل أصبح ناصر عاشق للضلمة، وقتل الضي، أم مازال مقتنعًا إن العيب في الضي؟!، بكل تأكيد مع هذا التحول وكمية الكره والدموية التي أصبح عليها، فالضي بريء منه براءة واضحة وصريحة، فالعيب فيه مش في الضي.

وإن مفضلش معاك غير قلبك.. اوعى تخاف مش هتموت.. هتعيش

لم يخبرنا ناصر عن فرضية إن يبقى كل شيء إلا القلب، وماذا سيحدث، ولكنه بعد فترة، وبالتجربة، اتضح إنه سيعيش أيضًا ولكن كشخص آخر، سيتحول تمامًا، تحولًا مخيف، غير مقنع ومليء بالكره والتحريض والدم.

مازال ناصر يدهشنا بما كتبه من أغاني مبهجة وجميلة، شارك ناصر في صناعة أحد مطربي البهجة المصرية في الثمانينات، كتب ناصر عدة أغاني للمطربة سيمون، بداية من أغنيتها الشهيرة “تاكسي”، ثم أغنية “ماشية لوحدي”، وكانت نهاية التعامل مع الأغنية ألأشهر والأجمل لسيمون في مسيرتها الغنائية.. وأغنية مش نظرة وابتسامة.

 

يمكن أن نقول إن ما سبق هو معظم إنتاج ناصر في المجال الفني، بعيدًا عن رحلته في عالم الإعلام وتقديم البرامج، وتعاقده مع وزارة الثقافة للعمل في المكتب الفني بصندوق التنمية الثقافية، رغم كل ما قدمه من أعمال قيمة، ورغم دراسته للفن والرسم والنحت، إلا إن كل ذلك لم يمنعه من هذا التحول الغير مبرر وغير مفهوم، ورحل ناصر عن مصر، كما رحل عن عالم الفن والإبداع.

وفي النهاية “العيب أكيد مش في الضي”!

نشر في موقع في الفن 2015