شريف حسن

تقول الأسطورة إن كل شخص نصيب من اسمه، أتذكر وقتها “يحيى” الطاهر الذي مات قبل أن يتم الثالثة والأربعين، وأتسأل ما نسبة السرور في حياة الشاعر المسرحي نجيب “سرور”؟!.

أمل اسم غريب على الرجال عامة والصعيد خاصة، سماه والده الشيخ محمد فهيم كبشرى للأمل لتزامن وصوله في نفس السنة التي حصل فيها على الاجازة العالمية، هذا الاسم الذي لم ينل أمل منه شيء بل ربما نال عكسه، لتبدأ من هنا خصومة أمل مع الله.

بداية باليتم الذي ألبسه رداء الرجولة وهو ابن العشر سنوات والمشاجرة على الميراث مع أعمامه، اليتم الذي بقدر ما ترك جرح في روحه إلى أن مات، ألا أنه ووفر له فرصة للقراءة، ومساحة من الحرية لا يملكها من هم في سنه، فيحكي رفيق دربه عبد الرحمن الابنودي أن أمل كان يتسبب في مشاكل كبيرة بسبب مغامراته العاطفية المجنونة الفاشلة أيضا.

تاركين لنا اليتم متشحًا بالخرس

مرورا بالترحال بين الصعيد والسويس والإسكندرية والقاهرة، الجوع والفقر الحالك، كان أمل لا يملك حق قوته في بعض الأيام، ينتظر أحد الأصدقاء كي يعزمه على الغذاء

رهنت فيها خاتمي.. لقاء وجبة العشاء

للوطن والسياسية والحرب جرحا في قلب أمل لم يسكن حتى أخر لحظة في حياته، ولكنه كان يعلم إن هذا هو الواقع المرير وهذا أصعب وأثقل على الروح والجسد المنهك من آثر السرطان.

لا تحلموا بعالم سعيد

تسع أشهر فقط كانت هي فترة زواجه من عبلة الرويني قبل الانتقال للغرفة رقم 8 ومنها إلى السماء، لا أمل يدوم ولا زواج ولا راحة.

لا حزن ولا بكاء فقد حزنت وبكيت في حياتي ما يكفي، أوصيكم بأن تكتبوا على قبري هذا قبر فلان ابن فلانه بن فلان وكل من عليها فان

هكذا كانت حياة أمل لا صلة لها بالأمل، وكان شعره يكسوه الحزن لا الضعف، ترى أمل كجراح ماهر يُشرح نفسه في القصائد، ويعلنها صريحة، صراحة تليق بشاعر الرفض.

خصومة قلبي مع الله

جملة تكررت 6 مرات في المقطع الثاني من قصيدة مراثي اليمامة في ديوان “أقوال جديدة عن حرب البسوس” الذي كتب ما بين (1976 -1977)، وهو الديوان الذي مات أمل قبل أن يتمه.

خصومة أمل مع الله هي أقرب مدخل لنفهم ونستوعب المواقف الكثيرة التي ذكر فيها أمل فتاة الليل في قصائده، يعتبر أمل فتاة الليل هي أقرب وأصدق الشخصيات إلى قلبه، لأنها تسمح له بالتوغل أكثر في جملته المسيطرة عليه والمشتعلة في رأسه دائما خصومة قلبي مع الله لا أحد سواه.

البحث عن البداية والسبب

لا يبتعد أمل الشخص عن الشاعر، يتجاذبان يتجادلان يتنافران وتبقى المسافة قريبة إلى حد الصداقة، يحكي الشخص للشاعر ويكتب الشاعر عن الشخص. كان أمل الشخص يجلس لساعات مع فتيات الليل ليستمع لقصصهم، فتحكي حبيبته ورفيقته عبلة الرويني إن تنقلهم الدائم بين الشقق المفروشة جعلهم عرضة لفتيات الليل متوهمين أن في الشقة عزاب، فما كان من أمل ألا أن يجالسهم ويسمع حكايتهم.

هوس البحث عن البدايات والأسباب والتنقيب في حقائب الماضي، فتراه في علاقة عابرة بماريا يريد الاستماع لها

من أوّل رجل دخل الجنّة واستلقى فوق الشطآن

علقت في جبهته من ليلك خصله

فضّ الثغر بأوّل قبله

أو ما غنّيت لأوّل حبّ

غنّينا يا ماريّا

أغنية من سنوات الحبّ العذب

مازال أمل في حالة الاستماع، مع ماريا كانت الأسئلة بلا إجابات، والعكس هنا في مقطع قصة حب، ستجد اجابات دون أسئلة.

“لها حقيبة مدلاة، وشعر غجري!

(عرفت عنها القصص الكثيرة:

على أريكة القطار. .

ضاجعها اثنان،

وخلف ساتر الغارات في الميدان.. في الظهيرة

وضاجعتها امرأة على البلاج الذهبي

وجسمها الخارج من محارة البحر. .

مندى باللآلئ الصغيرة! )

اليتم

هو أول مراحل خصومة أمل مع الله، واليتم هنا هو رمز البداية والسبب لكل ما سوف يأتي من حزن وشر وجوع وفقد وفشل، اليتم هنا أوسع واشمل من فقد الأب، هو استدعاء شعورا قبل أوانه، ارتداء ملابس ليست لك، لتبقى بها طوال عمرك مهما حاولت التخفي أو التنكر.

وسنجد فتاة الليل وأمل واليتم والبداية والسبب؛ جميعهم في تشابك وتداخل وتتباين، يرى أمل أن تعلقه بفتاة الليل في قصة حب، ليس تعلق جسدي أو ناتج عن شهوة ولكنه أقوى من ذلك وأعمق وأصعب وليس له نهاية.

لا نهدها (اليمامة التي تهم بانطلاقها)

ولا انحسار الثوب فوق ساقها

هو الذي حاصرني في الجسد ـ الجزيرة

لكنه.. شيء بها.. كأنه اليتم. .

كأنه الفرار. .

اليتم مرحلة من الخصومة، والطفولة والخصومة بينهما علاقة عكسية، كلما زادت الخصومة قلت الطفولة في الروح والجسد.

“قولي يا ماريّا

أو ما كنت زمانا طفلة

يلقي الشعر على جبهتها ظلّه

أنانية أمل الجميلة فهو لا يكترث بماريا بقدر اكتراثه بنفسه، وصوله لنقطة التغير في حياة ماريا تعنى وصوله لنقطة التغير في حياته، البحث عن الذات داخل البشر، كعالم يجري تجاربه على الفئران، يخاف أمل الاقتراب من ذاته، فهي هشة لدرجة مخدعه، فيبصرها المارة قوية قاسية.

قولي يا ماريّا

العام القادم يبصر كلّ منّا أهله

كي أرجع طفلا .. وتعودي طفله

مهما حدث يرى أمل أن اليتم هو رب الأسباب، حتى لو جاءت الصورة في المقطع غريبة غير مفهومة، يقدم النتيجة عن السبب ويلوى ذراع السبب كي تراه خصومة، يفعل كل ذلك دون أن تشعر، المغناطيسي يجعلك تتأثر بالنتيجة وتنسى السبب.

“وحين ضاجَعت أباها ليلةَ الرعدِ

تفَجَّرَت بالخصبِ والوعدِ

واختلجت في طينها بشارةُ التكوين

لكنها نادت أباها في الصباح..

فظل صامتا!

هزته.. كان ميتا!!

هذا المقطع هو السبب أن تصبح الصبية فتاة ليل، ربما اغتصبها الأب، فليس من المنطقي أن تضاجع الفتاه اباها وهي صغيرة عذراء، كل هذا لا يكترث له، اليتم هو المسيطر، واضحا ذلك في جملة كان ميتا، وما جاء قبل المقطع السابق.

“عرفتُها في عامها الخامس والعشرين

والزمنُ العنِّين..

ينشب في أحشائها أظفارَه الملوية

صلَّت إلى العذراءِ

طوفّت بكلّ صيدليّة

تقلّبت بين الرجال الخشنين!

وما تزال تشتري اللّفائف القطنيّة!

ما تزال تشتري اللّفائف القطنيّة!

الترحال والجوع

كان السفر من الصعيد للقاهرة والسويس والإسكندرية يزيد الخصومة ويقتل ما تبقى من راحة وهدوء وطفولة، والفقر لا يسمح برفاهية الاختيار، تحكي عبلة أن أمل باع أرضه كي يشتري لها الشبكة وأنه لم يتحدث في الموضوع ولم يسمح لأحد حتى عبلة أن تحكي فيه حتى من باب الذكريات.

“فأنا مثلك كنت صغيرا

أرفع عيني نحو الشمس كثيرا

لكنّي منذ هجرت بلادي

والأشواق

تمضغني، وعرفت الأطراق

مثلك منذ هجرت بلادك

وأنا أشتاق

أن أرجع يوما ما للشمسْ

أن يورق في جدبي فيضان الأمسْ

البلاد هنا ليست الوطن المرسوم على الخرائط، هي الوطن الطفولي، أرجوحة من حبال الليف وكرسي حمام تكفي لامتلاك السعادة، الوطن هنا هي الذات قبل الفقد، القلب قبل الجرح، الأمان قبل اليتم.

الفقر والاحتياج للمال، من أكثر ما يربط بين أمل وفتاة الليل، يبرهن أمل أنه ليس بأعظم من فتاة ليل خضعت أمام الفقر والجوع.

“وجهها صافٍ.. وعيناها غديران من الحزنِ،

ويدنو الخادمُ الأسمر، يلقي باقة الورد،

ويلقي دعوةً للسهرِ..

(الآن ستمضي،..

وغدا سوف يوافيها الطبيبُ – الموتُ والإجهاضُ

هذا شهرُها الثالثُ. رغم الحذرِ الشائع!

حتى أنتِ يا أقراصَ منعِ الحمل؟!

ما من أحدٍ في هذه الدنيا جديرٌ بالأمان!)

هذه الغربة والضياع والوحشة والوحدة تذكرني بأمل وهو يحكي عن بداية الحياة في القاهرة وقضائه طوال اليوم في سينما، لا حبا في فيها بقدر الهروب من البشر والتوحد مع الظلام، ما من أحد جدير بالأمان، لا أحد مسئول عما يحدث، أن الخصومة مع الله، فيأتي المقطع التالي للتذكرة وللتوضيح.

“من يفترسُ الحملُ الجائع

غيرُ الذئبِ الشبعان؟

ارتاح الربُّ الخالقُ في اليوم السابع

لكن.. لم يسترحِ الإنسان

هكذا تكون فتاة الليل/ أمل؛ حمل جائع يفترسه الجوع والفقر والاحتياج والخضوع، ويصور أمل في مقطع أخر عن طريق كوميديا سوداء حد الحداد فكرة من يفترس والأمان المفقود الروح المنهكة قبل الجسد في هذه الطاحونة المستمرة دون كللا أو ملل.

“جوارب السيدة المرتخية

ظلت تثير السخرية

وهي تسير في الطريق.

وحين شدتها: تمزقت..

فانفجر الضحك، ووارت وجهها مستخذية.

وهكذا أسقطها الصائد في شباك سيارته المفتوحة

فارتبكت وهي تسوي شعرها الطليق

وأشرقت بالبسمات الباكية!

لا تصالح

ما بين النكسة ومعاهدة كامب ديفيد كانت خصومة أمل مع الله في ازدياد، وكان لفتاة الليل مكان في قصائد أمل، تأكيد على أن ضياع الوطن والحلم، انتشار الفساد في الدولة، لحظة تخبط للجميع فيرى أمل نفسه مخمورا والحكومة فاسدة

“أعود مخمورا إلى بيتي

في الليل الأخير

يوقفني في الشارع.. للشبهة

يوقفني.. برهة!

وبعد أن أرشوه.. أواصل المسير!

مقطع يمهد مدى اتساق أمل بفتاة الليل، فعندما أشار أنها شخص لا يبالي بما يحدث كان قد سبق وألصق بنفسه تهمة السكر.

“توقفني المرأة..

في استنادها المثير

على عمود الضوء

(كانت ملصقات ” الفتح ” و ” الجبهة “..

تملأ خلف ظهرها العمود!)

تسألني لفافة:

(لم يترك الشرطي..

واحدة من تبغها الليلي)

تسألني إن كنت أمضي ليلتي.. وحيدا

وعندما أرفع وجهي نحوها:

سعيدا

أبصر خلف ظهرها: شهيدا

مُعلَّقا على الحائط، ناصع الجبهة

وتستمر حالة التخبط حتى في وقت الحرب، الضجر والخصومة تملء القلب وتنتشر تحتل فراغات المكان، هل من حق فتاة الليل السؤال عن الحرب؟!، هل من حق أمل شاعر الرفض والمعارض للحكومة أن يظهر قلقه على ما يحدث في الحرب؟!، يدس خوفه وقلقه في أسئلة فتاة الليل وعلى لسانها.

“كان يجلسُ في هذه الزاوية.

كان يكتبُ, والمرأةُ العارية

تتجوَّل بين الموائِدِ; تعرضُ فتنتَها بالثَّمنْ.

عندما سألَتْه عَن الحَربِ;

قال لها..

لا تخافي على الثروةِ الغالية

فعَدوُّ الوطنْ

مثلُنا.. يخْتتنْ

مثلنا.. يعشقُ السّلَعَ الأجنبية،

يكره لحمَ الخنازيرِ،

يدفعُ للبندقيَّةِ.. والغانيهْ!

.. فبكتْ!

تتضح حالة الضجر والخصومة مع الله كالصوفية، محاولات الوصول للكلية، للفناء في حضرته، لذلك كان الضجر من كل شيء حوله أيضا، ولكن لا تنسى أن فتاة الليل لها حق مثلك في الوطن وعليها واجبات، فيضع أمل صورة مركبة مبنية على المقطع السابق، عاكسا للأدوار، تاركا نفسه تسبح بين المقطعين.

“كان يجلسُ في هذه الزّاويهْ.

عندما مرَّت المرأةُ العاريهْ

ودعاها; فقالتْ له إنها لن تُطيل القُعودْ

فهي منذُ الصباحِ تُفَتّشُ مُستشفياتِ الجُنودْ

عن أخيها المحاصرِ في الضفَّةِ الثانيهْ

)عادتِ الأرضُ.. لكنَّه لا يعودْ!(

وحكَتْ كَيف تحتملُ العبءَ طِيلة غربتهِ القاسيهْ

وحكتْ كيفَ تلبسُ – حين يجيءُ – ملابسَها الضافيهْ

وأرَتْهُ لهُ صورةً بين أطفالِهِ.. ذاتَ عيد

.. وبكت!!

هذا المقطع أقرب وأدق رئوية لأمل عن فتاة الليل، فهي تحزن وتهجر وتبكي وتعييش وتفقد، استمرار أمل في الاقتران والاقتراب بفتاة الليل لتأكيد إنه مثلها يحزن ويهجر ويبكي ويفقد.

الحب والشهوة والفشل

“ماذا يا سيّدة البهجةْ ؟

العام القادم في بيتي زوجةْ ؟ !

قد ضاعت يا ماريّا من كنت أودّ

ماتت في حضن آخر

لكن ما فائدة الذكرى

ما جدوى الحزن المقعدْ

نحن جميعا نحجب ضوء الشمس و نهرب

كفى يا ماريّا

نحن نريد حديثا نرشف منه النسيان

هكذا كانت بداية علاقة أمل بفتاة الليل، علاقة كلاسيكية، أمل في المقطع السابق يأتي لماريا بعد فقد الحبيبة، ولكنه في وقت أخر يحب فتاة ليل وتتركه بعد علاقة استمرت لفترة من الزمن، يرجع للجو الكلاسيكي، تأكيدا منه أن لا فرق.

“ـ كأسك !

ـ حان موعد الإغلاق .

ـ لم تبق إلا قطرة أخيرة .

ـ كأسك !

. . لن تعيدها الأشواق !!

النسيان والذكرى هم سبيل الحب المفقود، وفتاة الليل هي القاسم المشترك بينهم، مرة في صورة من تواسي، ومرة أخرة هي السبب فيما حدث، يؤكد أمل دائما على إنه أمام فتاة ليل، هكذا كان الصراع والخصومة، لا فرق بين البشر، يختار كلمات توضح المشهد، إنها تمارس عملها وفي نفس الوقت لها قلب وروح ومشاعر، فيقول لماريا:

“لكنّا اللّيلة محرومون

صبى أشجانك نخبا .. نخبا

صبى حبّا

فأنا ورفاقي

قد جئنا اللّيلة من أجلك!

إصرار أمل لتوضيح صورة فتاة الليل، ناتج عن صراعه الشخصي مع ذاته، فهو غير مفهوم للجميع، ومع ذلك فخصومته ليست مع أحد وإنما مع الله، صورتان عكسيتان لفتاة الليل، ماريا التي يرتشف منها النسيان، قصة حب مع فتاة ليل تجعله بعد رحيلها أعمى بلا بصيرة، يبحث عنها في كل الأماكن.

“وها أنا بعد رحيلها المفاجئ

أعمى بلا بصيرة .

فتشت عنها كل حانات المدينة الكبيرة

وغرف الطلاب . .

والمستشفيات . .

والملاجئ . .

لكنني لم أر غير الوحشة المريرة

وذكرياتها المنثورة

في البيت، في مكانها . .

تنتظر اليد الأميرة

تنتظر الخيط . . الذى ينظم اللآلئ

فتاة الليل هي مكان سكنية لأمل من الخصومة، هي الرب في صورته الأنثوية، شهوة عشق واستراحة سفر، مع ماريا يكون هو الأضعف هو فاقد الحبيبة ناقم على الحياة.

“ما دمت جواري، فلتتبسمْ

بين يديك وجودي كنز الحبّ

عيناي اللّيل .. ووجهي النور

شفتاي نبيذ معصور

صدري جنّتك الموعودة

وذراعي وساد الربّ

فينسّم للحبّ، تبسّم

ولكنه في قصة حب، يجعلك ترى عشق متبادل، تنسى معه إنها قصة عشق مع فتاة ليل، ترى الحب لا الشهوة، احتواء لا منفعة، هكذا يصير أمل وفتاة الليل شخص واحد، يتعانق الاثنان بحثنا عن درب للهروب، عن عالم بلا خصومة.

“يذوب ما بين ذراعي: فتهدأ السريرة

وتلتوى الأنامل البيضاء حول كتفي. .

كأنما نحن: الغريق.. والحطام الخشبي!

تمسك بي. .

في لحظة التخلي عن عناقها!

تمسك بي . .

حتى مع استرخاءه النوم القصيرة

إذا انفلت من يديها

وهي في استغراقها !!

وصار بيتي بيتنا معا، وصار. .

أرجوحة وثيرة.

وصارت الألفة ثوبا واحدا

نلبسه تحت جلودنا

فلا يبلى. .

ولا يلحقه الغبار!

عارية ـ إلا من الحب ـ

هل للاحتواء شهوة؟!، هل يتحول الجنس كحصن من الخصومة ورادع للخوف؟!، صور أمل ذلك في شكل بسيط، خارج إطار الجنس الفعلي، صورة في لهفة وعشق غريبان على علاقة في بدايتها، ولكنها علاقة كاليتم والفرار.

حين التقينا: لم تسل من أنت. .

أو من أين !؟

وقبلتني خلسة ونحن في المترو. .

محاصرين واقفين!

وقبلتني وأنا أخرج مفتاح. .

أمام غرفتي الفقيرة!

وقبلتني.. حالما أغلقت الباب وراء ظهرها. .

لامعة العينين!!

هكذا كانت فتاة الليل في شعر أمل بين البداية واليتم والترحال والجوع والحب والشهوة والفقد، وتبقى الخصومة مع الله هي السبب والمسبب.

نلمح كثرة المشهدية في شعر أمل، اختيار الكلمات بدقة ميزان ذهب، استخدام حروف العطف، كتابة الواقع بخفة فراشة وثقل قلب منهك من الخصومة.

في النهاية لا أعلم أيمها جعلني أرى الأخر أكثر وضوحا، أمل جعلني أقضي ليلة داخل روح فتاة الليل، وفتاة الليل لم تحفظ السر وكشفت لي روح أمل وذاته وخصومته، وربما كنت أفعل ما فعل أمل وأبحث داخلهم عني.

نشر في موقع قل