حميد الشاعري رائد جيل الثمانينات ومكتشف جيل بأكمله، أغلبهم أصبحوا نجوم في مصر والوطن العربي، الكتابة عن حقبة زمنية، عن تاريخ موسيقية جيل بأكمله، تاريخ بدأ من أوائل الثمانينيات وحتى وقتنا ذلك، سنحاول هنا  .المرور على أهم محطات وتجارب الكابو 

البداية.. ليبيا

نبدأ المشوار من الطفولة، من مدينة بنغازي 1961، ولد حميد من أب ليبي متزوج من أربعة، من ضمنهم أم حميد الشاعري، المصرية من مدينة الإسكندرية، وهو الأخ بين خمسة عشر أخًا وأختًا، كانت أمه أول من أهتم بموهبته، وقدمت له عدة آلات موسيقية، (أورج وإكسيليفون)، توفت أمه وهو 13 عامًا، وأهتمت أحد زوجات والده بتربيته.

كانت الموسيقى أهم شيء في حياة حميد الشاعري، وكان يقابلها الرفض التام من والده، لدرجة إن والده كسر مرة الجيتار على رأس ابنه، ليعيش بعدها عند أحد أقاربه لمدة طويلة، ولم يعود لوالده إلا بعد نجاحه وإثباته إن هذا الطريق والمجال هم حياته وحلمه ونجاحه.

كانت البداية الموسيقية من لبيا، وبالتحديد مع فرقة الإذاعة الليبية، كعازف أورج، ولكنها لم تتح له مساحة من الجنون الموسيقي والتجديد الذي كان يحلم به دائمًا، فترك الفرقة، وشارك بعدها مع فرقة أبناء أفريقيا، كعازف أيضًا.

عاش حميد الشاعري فترة شبابه في عز قوة وسيطرة القذافي، ويحكي حميد إن القذافي جمع كل الآلات الموسيقية الغربية من كل لبيا وقام بإحراقها في ميدان عام، وكان منهم بالطبع آلات حميد، مع ضغط والده، وضيق الحرية في وجود القذافي، وعدم توافر تجربة تتسع تمرد هذا الشاب على كل ما هو سائد في الموسيقى، مع كل هذه الظروف كان قرار السفر إلى لندن ودراسة الطيران في منتصف السبعينات، رغم السفر والدراسة، إلا إن حميد لم يستطيع الفرار من حب الموسيقي، وشغفه بهذا العالم بكل ما يحمل من تفاصيل، فبدأ في تأجير أستوديو لتسجيل أغانيه الخاصة، دون أي تفكير أو تخطيط للمستقبل، متعة شخصية، إشباع رغبة وحب لا أكثر ولا أقل.

مصر.. مطار إمبابة

مع بداية الثمانينات جاء حميد إلى القاهرة، لاستكمال دراسة الطيران في مطار إمبابة، لم تكن مصر جديدة على حميد، فأمه من الإسكندرية، وله أصدقاء من مصر، كان حميد يسجل الأغاني على شرائط كاسيت ويهديها إلى أصدقائه، فقرر وحيد حمدي وشريف مروان، أن يقدموا هذا الشريط إلى شركة الإنتاج “سونار”، تحت قيادة هاني ثابت وكمال علما.

الموسيقى في مصر قبل حميد

انتهاء زمن العظماء، بعد رحيل أغلبهم، وعلى رأسهم أم كلثوم وعبد الحليم حافظ، اعتزال بعضهم، ظهور عدوية وانتشاره بشكل كبير، سيطرة بليغ حمدي على الموسيقى والألحان واكتشاف النجوم، ظهور فرق مصرية مثل المصريين بقيادة هاني شنودة، وظهور جيل السبعينات من هاني شاكر ومدحت صالح وعمر فتحي ومحمد الحلو، وبعدهم علي الحجار ومحمد منير.

البداية.. الفشل (عيونها 1983)

تعرف حميد على شركة سونار، وتم التعاقد على الألبوم الأول، وجاء الألبوم يحمل شكل جديد على الأذن المصرية، وقدم فيه حميد من الفلكلور الليبي مثل “سوده انظاره“، ومن أغاني فرقة الموسيقية الحرة أغنية “بنت بلادي“، وأغنية “لا متقولش لا” وهي عبارة عن رباعية من تأليف ابن عمه المخرج فهمي الشاعري، وعيونها كانت من ألحان ناصر المزداوية، وكانت فرقة حميد اسمها المزداوية نسبة إلى مدينة مزدة الليبية، وكان اسمها قبل ذلك فرقة “المروج”، وكانت باقي الألحان من ألحان حميد، وقام أيضًا بتوزيع الألبوم كله، وقد لاقي الألبوم فشلًا مدويًا، كان الألبوم غريبًا على الأذن المصرية، من كلماتً وألحان وحتى التوزيعات، التي استخدم فيها حميد الأورج بشكل جديد، وأضاف جو الفلكلور الليبي من حيث الإيقاع في شكل “التسقيف”، أو حتى في طريقة الغناء.

بعد الفشل.. الطيران أم الغناء؟!

يحكي حميد إن عدد النسخة المسترجعة من الألبوم الأول فاقت عدد النسخ الأصلية، لأن حتى النسخ الغير أصلية عادت إلى الشركة.. كان أكبر تأكيدًا على فشل الألبوم، وقرر حميد الرجوع لاستكمال دراسة الطيران، وكأن شيء لم يكن، ولكن أصرت شركة سونار على استخدام الفرصة الثانية، وإتاحة الفرصة لحميد لعمل ألبوم ثاني، رغم فشل الألبوم الأول، وبعد اقناع حميد بالرجوع مرة ثانية وإعادة التجربة، استمر حميد على نهجه، لم يغير شكل الموسيقى والتوزيعات، حتى الكلام، استمر في تقديم تجربته كما يرى هو، مع بعد التعديلات البسيطة على أخطاء الألبوم الأول.

الألبوم الثاني.. والناجح الساحق (رحيل 1984)

استمر حميد الشاعري في تقديم ألحان الفلكلور الشعبي كأغنية “وين أيامك وين” من كلمات صلاح الشيخ، والتي فازت بأفضل أغنية في مصر في نفس العام، وإعادة توزيع أغاني غير معروفة في مصر، كأغنية “يا لايمين” من كلمات وألحان “فرقة الموسيقى الحرة”، كما قدم أغاني لشعراء ليبين مشهورين، مثل أغنية “يا بنية خشيتي بالي“، من كلمات الشاعر الليبي “أحمد الحريري”، وألحان بدري كلباش، وتقديم أفكار غنائية تتماشي مع الوقت، والحالة الجديدة، مثل أغنية “رحيل” من كلمات صديقه شريف مروان، وأغنية “يا صاحب” من كلمات صلاح الشيخ، كان كل الألبوم من توزيع حميد الشاعري.

رغم استمرار وجود كلمة المزداوية على غلاف الألبوم، إلا إن أيضًا يوجد اسم فرقة يحيى خليل، وهي من قامت بالعزف وراء حميد، وكان من ضمن الفريق بجانب يحيى خليل، الموسيقار فتحي سلامة على الكيبورد، قدم حميد توزيعاته الجديدة ليقلب سوق الأغنية المصرية من وقتها حتى الآن، وليعلن عن ولادة موزع سيغير شكل الموسيقى المصرية فيما بعد.

حميد ومنير.. الهجرة والغربة والخروج عن المألوف

منير وتاريخ النوبة الخفي، والهجرة، ودخول المدينة، والبلاد الغريبة، لتقديم أغاني وموسيقى جديدة على الأذن المصرية في ذلك الوقت، كان صاحب أول ألحان المهاجر الليبي وصاحب أيضًا موسيقى جديدة ومختلفة، كان التعاون بين ألبوم حميد الأول والثاني، ولحن حميد أغنية “الطريق” من كلمات عبد الرحيم منصور وتوزيع يحي خليل في ألبوم “اتكلمي” 1983. مع إعجاب حميد للحن، يقوم بإعادة غنائه في ألبومه الثاني مع كلمات مختلفة من تأليف مجدي خفاجة تحت اسم “لا مانسينا“، وتوزيع حميد أيضًا، وليكن التعاون الثاني بينهم في عام 1986، وبالتحديد يوم السبت 26 أبريل، ومع كارثة تشرنوبيل، كان منير وحميد يتابعان الأخبار بصحبة الشاعر عبد الرحمن أبو سنة، ليكتب أغنية “أكيد” ويغنيها حميد ومنير، في ألبوم يصدر في نفس العام، وهو الألبوم الرابع لحميد ويحمل نفس اسم الأغنية.

بداية الدويتوهات.. (ألبوم أكيد 1986)

في عام 1985، كان ألبوم حميد الثالث “سنين”، والتعاون مع ناصر المزداوي في أغلب الأغاني، كلمات وألحان، مثل أغنية ناصر “شنطة سفر“، وأغاني أخرى، ومع البعد عن الوطن، والحنين، والغربة، غنى حميد أغنية “يا بلادي“، من كلمات مراد موسى، وكانت في ألبوم “سنين” 1985.

انتهت تجربة فرقة الأصدقاء، بقيادة الموسيقار عمار الشريعي في عام 1986 وفي نفس العام ومع الألبوم الرابع لحميد “أكيد”، شارك منير فيه كما ذكرنا، شارك أيضًا، علاء عبد الخالق في أغنية “حبيبية“، من كلمات صلاح الشيخ واللحن فلكلور ليبي، كما شارك الصوت النسائي في الألبوم، فشاركت حنان في أغنية “مسيرنا نعود” من كلمات عبد الرحمن أبو سنة، ولحن حميد الشاعري، وأغنية “عايش بيك” مع المطربة سوزان، من كلمات مجدي خفاجة وألحان بدري كلباش، ومن أحلى أغاني الألبوم كانت أغنية “يا نسمة صبا“، من كلمات عبد الرحمن أبو سنة، وألحان حميد، لم يكتف حميد بالتعاون مع الموسيقى الليبية، ولكنه قدم أيضًا أغنية “سمره“، وكانت من ألحان الفرقة المغربية “جيل جيلالة”، وكلمات صلاح الشيخ.

حميد وعادل عمر.. ثنائي النجاح (ألبوم جنة 1988)

مع الألبوم الخامس، كان ظهور الشاعر الغنائي عادل عمر، ليقدم أربع أغاني في الألبوم، من ضمنهم الأغنية الهيد للألبوم “جنة“، ولحن فرقة “جيل جيلالة” في التعاون الثاني بينهم وبين حميد، وقدم أيضًا “ميلي” على ألحان فلكلور ليبي، وأغنية “بروي” من ألحان حميد، وأغنية “حبك” والتي شاركه الغناء فيها شقيقه مجدي الشاعري، والفنان الليبي إبراهيم فهمي، صاحب أغنية “عوالي يا“، التي أعاد توزيعها حميد بعد ذلك، وغناها فرقة “جيليانا“، وكانت تضم (مروة وسماح وراندا وأحمد ويحيي عراقي وجمال عراقي)، والتي انتهت باعتزال أغلب مطربين الفريق.

من هنا بدأ الثنائي حميد وعادل عمر في العمل سويًا، كان نتيجة هذا التعاون مئات من الأغاني، لحميد ولغيره من مطربي هذا الجيل، فعادل عمر أحد أهم أضلاع هذا الجيل بأكمله، وأحد أهم الثنائيات في مشوار حميد كمطرب أو كموزع ومكتشف وصانع نجوم.

صناعة النجوم.. وضربة البداية (مرسال 1986)

كان ضربة البداية مع علاء عبد الخالق، وألبوم مرسال، أغنية “مرسال” في الأصل كانت للمطربة حنان، ولكن أعجب بها علاء وأصر على أن يغنيها هو، وقد كان، ولاقى الألبوم نجاح ساحق، وقدم علاء ثاني دويتو مع حميد، وأغنية “بحبك كون“، كلمات عادل عمر، وألحان أحمد منيب، ولحن له أحمد منيب أيضًا أغنية “الحب له صاحب“، من كلمات مجدي نجيب، وبالطبع الألبوم كله توزيع حميد الشاعري.

ثم كان الألبوم الثاني لعلاء، “وياكي” 1987، وشارك عادل عمر وعبد الرحمن أبو سنة في كلمات الأغاني، ولحن أحمد منيب فيه أغنية “الحب بحر” من كلمات جمال عبد العزيز، وغنى فيه حميد مع علاء أغنية “نبع الحنان” وهي ألحان حميد، وكلمات عبد الرحمن أبو سنة، وكتب أيضًا أغنية “افترقنا” وهي من ألحان علاء، والألبوم من توزيع حميد الشاعري، قدم حميد أيضًا حنان، وحصلت على أفضل مطربة بوب في الوطن العربي من فرنسا 1989، بسبب أغنية “بسمة” من كلمات عادل عمر، ولحن إبراهيم فهمي، وتوزيع حميد، الذي استخدم السلم الخماسي في مقدمة الأغنية، وقد لاقت الأغنية نجاح عظيم عند صدورها في ألبوم يحمل نفس الاسم.

عمرو دياب.. مشوار نجاح

بعد نجاح ألبوم وياكي لعلاء عبد الخالق، تقابل حميد وعمرو في الأردن صدفة في أحد البرامج، مطرب صاعد، وملحن وموزع صاعد يبحث عن حنجرة تؤرخ أعماله، اتفق على العمل سويًا، وكانت البداية من ألبوم “ميال” 1988، وقدم له أربعة توزيعات، ولحن، وشاركه في التوزيع الألبوم فتحي سلامة، وطارق مدكور، وشارك بالطبع عادل عمر في كتابة أغنيتين من الألبوم، ويعتقد البعض إن ميال توزيع حميد، ولكنها من توزيع فتحي سلامة ولحن حجاج عبد الرحمن.

ثم كان الانطلاق كتجربة كاملة في ألبوم التالي “شوقنا” 1989، وقام حميد بتوزيع جميع أغاني الألبوم مثل “وإيه يعني“، “شوقنا“، ما عدا أغنية “ليه” كانت من توزيع فتحي سلامة، ثم اللقاء الثالث في ألبوم “متخافيش” 1990، اكتشف حميد الشاعري عمرو كملحن، وقدم عمرو جميع ألحان الألبوم ما عدا أغنية “حبيتها“، كانت من ألحان حجاج عبد الرحمن، كان الألبوم كله من توزيع حميد.

كل ذلك، يعمل حميد وعمرو على حفر مكانة لعمرو دياب، خلق نوع وشكل موسيقي خاص به، كان العمل تدريجيًا، خطوة خطوة، من نجاح إلى نجاح، حتى الوصول للقمة، مع أغنية “الماضي“، خاصة وألبوم “أيامنا” 1992، وسيطرة حميد الشاعري على توزيعات الألبوم، وعلى نجاح عمرو دياب، ثم ألبوم “ويلوموني” 1994، ثم كانت مرحلة الانتشار العالمي، وأغنية وألبوم “نور العين” 1996، مع كلمات أحمد شتا ولحن ناصر المزداوي، وتوزيع حميد، استطاع الألبوم الحصول على جائزة الميوزك أوورد في نفس العام.

حميد والجيل.. (اكتشافات)

حميد كان ومازال، يهوى اكتشاف الأصوات الجديدة، ويهوى تقدميها، يحب صناعة النجم، كانت بداية جيل بأكمله على يد حميد، فكان انطلاق هشام عباس بداية في أغنية “جلجلي” في ألبوم شارة، وظهوره في الكليب، ثم أغنية “الله يسلم حالك” وكانت إهداء من حميد لوالده، وظهرت الأغنية مع فرقة “أمريكانا شو”، من هشام لإيهاب توفيق، وألبوم “إكمني” 1991، ثم “مراسيل” 1992، ومن إيهاب توفيق لمصطفى قمر، وألبومات “وصاف” 1991، “لياليكي” 1992، “سكة العاشقين” 1994، وفارس وألبومات؛ “هكتبلك“، “أنتي“، “سحرك“.

القصة أكبر من توثيقها، فحميد أصبح حامل كلمة السر في هذا الجيل، أصبح الكابو، يحكي فارس إن حميد كان يهتم بكل شيء، يطلب من شركة الإنتاج أنت تمضي مع هذا الفنان، ويختار شكل الأغاني التي سيقدمه فيها، حتى الملابس، كل شخص من اكتشافات حميد الشاعري يدين له بالفضل في الشكل الموسيقي، صنع شكل موسيقي مستقل لكل شخص، ألبومات مجمعة، وألبومات خاصة لكل مطرب، حالة من الحراك الموسيقي، والثورة على كل كان يقدم في الموسيقى.

صناعة الكاسيت

أصبح حميد هو المسيطر على الصناعة في حد ذاتها، على تجارة الكاسيت، قبل حميد كانت شركات الإنتاج تطرح شرائط الكاسيت للمحلات، والدفع بعد البيع، ومع ظهور حميد وإعادة الروح لهذه الصناعة، أصبحت شركات الإنتاج تبيع والدفع مقدمًا، أصبح السوق ملك حميد بكل ما تحمله الكلمة، من اكتشاف نجوم، أو تقديم ألبومات لنجوم، أو من زاوية التجارة، وخاصة بعد اكتشافه وتقديمه لعلي حميدة، وأغنية وألبوم “لولاكي” 1988، وهو الألبوم صاحب الانفجار الأكبر في تاريخ شرائط الكاست.

النجاح والفشل..

في نفس عام لولاكي، قدم حميد أيضًا مع عمرو ألبوم ميال، لذلك هناك اختلاف كبير بين صناعة النجم، وبين أن يحافظ النجم على نجاحه، قدم حميد عشرات المرطبين والمطربات، نجح واستمر منهم من استمر، وضاع منهم من ضاع، والضياع هنا متباين وغير ثابت، منهم من اعتزل وترك الغناء، ومنهم من اختفى مرة واحدة واتجه إلى الإنشاد الديني، ومنهم من اختفى تدريجًا، ومنهم من اختفى تمامًا. وعلى سبيل المثال (أميرةهشام نورنامقإسلامراندادالياليناعصام الخوليحسن عبد المجيدإبراهيم عبد القادر-سوزان – أمين ساميمجدي الشاعري)، وفي الفترة الأخيرة ظهر بعضهم على شاشات التلفزيون والبرامج.

 كان اسم حميد على الألبوم كافي جدًا لنجاح الألبوم، بغض النظر عن صوت المطرب أو الكلمات، بجانب كل الأنواع من الأصوات والاشكال الغنائية، قدم حميد أيضًا الشكل الشعبي، من خلال حنجرة حكيم، بعد أن اكتشفه، وقدم معه أول ألبومات حكيم، ألبوم نظرة 1992، ثم ألبوم “نار” 1994، هكذا من كان يصنع موسيقى عمرو دياب، كان في نفس الوقت يقدم هذا الشكل الشعبي “حكيم”، ليكمل مسيرة عدوية المختفي عن الساحة قريبًا وينافس وجود حسن الأسمر.

الحب واللمة.. (المبكبكة)

رغم كل هذه الشهرة التي نالها حميد في وقت قصير، إلا إنه استمر كما هو، يجمع كل مطربين الجيل في مكان واحد، المكان يغلفه الحب والمرح والضحك، نحن هنا لنبتهج، أغلب الأغاني كتبت ولحن وسجلت في أقل من يوم، الكل كورس للكل، حالة حب ظهرت في الأغاني، وملئت الساحة، يلاعب مصطفى قمر حميد الشاعري على أغنية “عودة“، ومن يكسب يغنيها، دون خناقات أو مشاكل، خدع ومقالب في بعضهم البعض، صداقة قبل الفن، يصنع لهم حميد الأكلة الليبية “المبكبكة”، ويتجمع الجميع حول الأكل، هكذا كان يدير حميد أحد أهم نقلات الموسيقية المصرية الحديثة، بالحب والعمل وعدم الخوف من التجارب.

النقد.. هدم أم مناقشة؟!

القاعدة المعروفة في كل المجالات، كل ما هو جديد، وتجديد، غير صحيح ويشوه ما قبله، كان النقد قوي وصادم لحميد، وحمل آراء كثيرة ومتباينة، منها إنه يقدم فن مبتذل وغير قائم عل أسس موسيقية، وإن حميد غير أكاديمي، وغير دارس لعلم وفن الموسيقي العربية، ومن إن صوته تتحكم فيه أجهزة الصوت، وإنه صاحب صوت ضعيف، رغم إن حميد لم يصرح في يوم إنه مطرب، أو إنه يمتلك حنجرة ذهبية، كل ما في الأمر إنه مؤدي، ويمتلك الإحساس المناسب، كان حميد يصرخ في البداية في الحوارات الصحفية “اسمعوني قبل أن تاحكموني”.

وكان من ضمن النقد الغير هادف بالمرة، والذي وصل لشكل من أشكال الحرب النفسية والتجارية والفنية، بأنه غير مصري، رغم إنه أمه مصرية، وغن حميد بكل صراحة ومباشرة أغنية “أغنيلك“، في ألبوم “حكاية” 1990، من كلمات رفيقه عادل عمر، فيغني عن أمه قائلًا «على حــدودك بديت عصري لقيت أحـزاني منسية، بيجري في دمي شوق مصري وأصل الدم مش مية»، وكما غنى لمصر، غنى قبلها بعامين أغنية “يا حبة قلبِ” من ألبوم “جنة”، إلى وطنه الأول ليبيا.

الإيقاف.. الفالصو والدهب

كانت الحرب على مهدد عرش الموسيقى في مصر، وقالب موازينها، ومهدد كل العاملين بيها، أمام هذا النجاح المذهل وفي نفس الوقت تقديم شكل جديد، ونوع موسيقى مختلف تمامًا عما كان سائد، وصلت الحرب لإيقاف حميد عن العمل تقريبًا من عام 1992 لمدة أربع سنوات، لكن أغلب مطربي الساحة استمروا في العمل مع حميد، لدرجة أن وصل الحرب للمحاكم بسبب استمرار حميد الشاعري في العمل، كانت هذه المحنة، أكبر تقييم لكل من حول حميد، فغنى حميد أغنية “الفالصو والدهب” كلمات مصطفى زكي وألحان وتوزيع حميد.

 

كانت أغنية الفاصلو والدهب من ألبوم “قشر البندق” 1995،  يتضمن أغاني أول تجربة سينمائية لحميد، فيلم قشر البندق في نفس العام، اتجه حميد للسينما بعد الإيقاف من نقابة الموسيقيين، بناء على اقتراح وطلب الفنان محمود يس، وقدم فيه حميد في الفيلم أغنية مثل “الكحة“، والتي لا تتضمن إلا بعضًا من “الكحة”، مع موسيقى حميد الشاعري، شارك حميد في تجربة سينمائية أخرى في فيلم “أيظن” 2008، لكنها كانت تجربة ممثل، بعكس تجربة الأولى التي قدم فيها حميد أغاني الفيلم والموسيقى التصويرية.

كان سبب الإيقاف 16 جنية، قيمة تجديد اشتراك النقابة التي نسى حميد تجديده لمدة عام فقط، كان الإيقاف بالنسبة لحميد، هو قرار بالموت، بعيدًا عن فكرة الشهرة والسيطرة على سوق الأغاني، ولكن لحبه للموسيقى، فبدأ في عمل ألحان ولكن تنشر بأسامي غيره، ويحكي حميد إنها كانت أصعب المواقف التي تعرض لها طوال مشوراه الفني، أن يكتب اسم غيره على الألبوم.

عاد حميد من الإيقاف بقوة، كأقوى رد على كل من حاربه، وقدم مع عمرو دياب ألبوم “نور العين” 1996، ونجحت الأغنية ونجح الألبوم، وحاز على جائزة الميوزك أوورد في نفس العام، ويبقى حميد في نجاحه وتألقه، كان قدم قبل الإيقاف عدة ألبومات خاصة به، مثل جنة 1988، شارة 1989، حكاية 1990، كواحل 1991، لوين 1994، هدوء مؤقت مع داليا في نفس العام، وهو العام الذي قرر فيه حميد التفرغ للتوزيع، وعدم إقامة حفلات مرة ثانية، وقدم في عام 1995 ألبوم يا صديق، والتي كانت فيه أغنية “مهما كبرت” والتي غناها بصحبة هشام نور، ومن كلمات عادل عمر، ولحن أحمد منيب، وقد غناها عمرو دياب عام 1999، وحمل ألبوم يا صديق أول تعاون بين حميد ومصطفى كامل، وأغنية “حبيبي“.

الضلع المنسي.. أحمد منيب

كان أحمد منيب ملحن مختلف وصاحب صوت مختلف عن السائد، بسبب الموسيقى النوبية التي يحملها في وجدانه، لم يقدم منيب محمد منير فقط، ولكنه كان ضلع هام جدًا في تجربة حميد، وبصحبتهم عادل عمر، قدم منيب ألحان لأغلب اكتشافات حميد، فلحن لفارس ومصطفى قمر وإيهاب توفيق وإبراهيم عبد القادر وحسن عبد المجيد وعصام الخولي، وعمرو دياب وهشام عباس ومنى عبد الغني وعلاء عبد الخالق، ولحميد نفسه، ومن المواقف الطريقة في رحلة حميد مع منيب، هي ضياع صاحب الكلمات، فكان حميد يسأل منيب، عن اسم الكاتب، وكان منيب لا يتذكر أو إن الورقة الأصلية للكلام ضاعت، وكان في بعض الأوقات لا يكتب اسم للمؤلف على الأغنية.

 

 دويتوهات حميد الشاعري

صنع حميد أهم وأشهر الدويتوهات في ذلك الوقت، بداية من منير وعلاء عبد الخالق، فقد شارك حميد أغلب من أكتشفهم بالغناء معهم، في ألبوماته الخاصة أو في ألبوماتهم، ومن أشهر هذه الدويتوهات، كان دويتو “بتكلم جد”، وكانت الأغنية ضمن ألبوم سيمون “بتكلم جد” 1990، وقدم مع أميرة “زي الطيور” و”ليلى“، ومع حسن عبد المجيد وأغنية “عيونك أمهات وبيوت“، وقدم ألبوم كامل مع داليا، كان اسمه “هدوء مؤقت” 1994، وقدم دويتو مع شرين وجدي في أول ألبوم لها وأغنية “أنت النص الحلو“، وبالطبع مع هشام عباس، قدم أشهر الدويتوهات “عيني” من ألبوم “عيني”، 1997، وقدم بعدها مع مصطفى قمر أغنية “يا غزالي” 2000، وقدم فيه أيضًأ دويتو مع مدحت صالح في أغنية “محالة“، وفي عام 2005، قدم مع المطربة التونسية “داليندا”، أغنية “ليش تاخد قلبي“، وقدم هذا العام دويتو مع المطرب محمد قماح وأغنية “ويلي“، ويجهز لعدة دويتوهات مع المطرب الجديد مصطفى شوقي.

الموزع حميد.. بوابة العبور للسوق المصري

اتجه حميد للتوزيع أغاني لمطربين من الوطن العربي، ليخرج وينافس في السوق العربية ككل، وفرصة جديدة ليقول لكل من انتقده، إنه صاحب حالة موسيقية فريدة، لن يستطيع أحد الوقف أمامها، فقدم لنا الصوت الجميل “رجاء بالمليح” في أغنية “صبري عليك طال“، نحن هنا مع حميد الشاعري الموزع، صاحب الرؤية الموسيقية الجديدة، وقدم لنا صابر الرباعي في أغنية “سيدي منصور“، ونوال الزغبي وأغنية “الليالي“،  وسميرة سعيد وأغنية “روحي” و “آه بحبك“، ومحمد المازم وأغنية “أحبك“، وقدم أيضًا مايا نصري، وأغنية “أخبارك إيه” و”خليني بالجو“، وقدمت معه دويتو أغنية “عايش بيك“، وإعادة غناء للأغنية التي كان قدمها مع المطربة سوزان في ألبوم “أكيد” 1986، فكان حميد الشاعري في بداية الألفية بوابة عبور للسوق المصرية والذوق المصرية.

العالم قادم.. الحلم العربي

في عام 1991، قدم حميد تجربة جديدة، جمعت أغلب مطربي الجيل، أغنية لمواجهة ما يحدث في الوطن العربي خاصة والعالم عامة من حروب ومجازر، فقدم ألبوم “العالم قادم“، وكان لحن أغنية العالم قادم من ألحان جون لينون، وفي عام 1998، قدم حميد توزيع أهم الأوبريتات الحديثة، أوبريت “الحلم العربي“، واشترك حميد مع واحد من أهم من انتقدوا موسيقى حميد، هو الملحن حلمي بكر، وساهم مؤلف الحلم العربي، مدحت العدل في إذابة الخلافات بين حميد وحلمي، وقدما معًا هذا العمل الفني المتكامل، وكان حميد الشاعري يرى أن يقدموا عمل في مستوى “وطني الأكبر”، ولا يقل فنيًا عنه.

 

في عام 2007، قدم حميد الشاعري بتكليف من وزارة الإعلام المصري، بتقديم أغنيتين واحدة كانت عن بمناسبة أعياد سيناء، وقدم فيها أغنية “سينا” وشارك في مجموعة كبيرة، والأغنية الثانية كانت بمناسبة عيد الأم، وقدم أغنية “أمي ثم أمي” غناء رامي عياش وجنات ويارا وهيثم شاكر وتامر حسني.

اكتشاف نجوم الــ 2000

قدم حميد في بداية الألفية، هيثم شاكر، وأغنية “وأنا أحلف بالله” والتي اشتهر بسببها، وقدم أيضًا شذى وألبوم “ليالي الشوق” 2004، وأخيرًا كان المطرب والملحن مصطفى شوقي.

حميد الشاعري والتوزيع الموسيقي

لم يكن التوزيع له نصيب من الشهرة، رغم تقديم مصر موزعين عظماء ومجددين، مثل علي إسماعيل أو رؤوف ذهني، وغيرهم، لكن حميد عرف الجمهور والشارع بأهمية الموزع في الأغنية وخاصة الشبابية، كان حميد يسأل دائما في بداياته، ما هو دور الموزع، وما الفارق بين الموزع والملحن، قدم حميد توزيعات جديدة، ومزج بين الموسيقى الغربي والشرقي، وخلق وجود أساسي لفكرة الإيقاع والتسقيف، واستخدم السلم الخماسي بشكل عصري وجديد، وأيضًا آلات كالأورج والساكسفون، رؤية حميد للموسيقى مختلفة وجديدة، عندما قدم مع هشام عباس أغنية “أفريقيا“، ولم تنل الأغنية الشهرة المطلوبة، فأعاد حميد الشاعري تقديم اللحن في أغنية هشام عباس “حبيتها“، وهي من أغاني هشام الأشهر حتى الآن.

يحكي حميد عن توزيع أغنية “عودوني“، وكيف استخدم حميد أغلب الأشكال الموسيقية، من مقسوم تركي في صولوا القانون، واستخدام الرتم الخليجي في الدفوف، واستخدام الكمنجات لتقدم شكل الموسيقى الكلاسيكية، كل ذلك هو من صنع وإبداع حميد، ولنشاهد عمرو وهو يتحدث عن حميد الشاعري وتوزيعاته في أحد الحفلات.

 

 مع التوزيع، قدم حميد عدة ألبومات كانت إعادة توزيع عدة أغاني لأهم مطربي الوطن العربي، مثل ألبوم “بحبك يا فيروز“، “تجنن يا فريد“، “حلاوتك يا فوزي“، “وحشتينا يا شادية“، “شعبيات” عدة أجزاء، “حلاوة زمان“، “اشتقنا لكم”، لم تنجح هذه الألبومات بنسبة لباقي أعمال حميد، لكن اشتهرت من كل هذه التجربة، أغنية “فطومة”، التي كان قدمها محمد فوزي في فيلم “فطومة” 1961، وقدمها حميد الشاعري في فيديو كليب وكانت البطلة فيه هي الفنانة “ياسمين عبد العزيز”.

 

حميد ومنيب.. مشتاقين

استمر حميد في تقديم توزيعاته لكل مطربين جيله، ومن أهم هذه التجارب، كانت تجربته مع أحمد منيب، وألبوم “مشتاقين” 1984، قدم حميد توزيعات، لتنقل منيب من الخاصة للعامة، لتصبح أغاني منيب مطلوبة ومسموعة، وتبدأ رحلة البحث عن هذا الصوت الجميل، وعن باقي ألبوماته، وأغانيه، عمل حميد على الحفاظ على نفس روح السلم الخماسي والموسيقى النوبية الموجودة بشكل واضح جدًا في ألحان منيب وصوته، وإستخدام كورس من الأطفال في أغنية “الدنيا برد“، وهي من كلمات فؤاد حداد، وغنى منيب له أيضًا أغنية “آه وآه“، أضاف حميد بهجة خاصة على التوزيعات، ليصبح الألبوم مصدر للبهجة والجمال، بكل بساطة وخفة منيب كما هو المعتاد منه، 8 أغاني أبدع حميد الشاعري في توزيعهم وتأكيد منه على إنه يحافظ على شكل المطرب واللحن، ربما اشتهر حميد بشكل موسيقي معين خاصة المقسوم، ولكن هنا كان التوزيع مختلف، نابع من جو اللحن نفسه.

رغم كل ما سبق، لم تنتهي تجربة حميد، ولم نذكر كل ما أنتج، عاد حميد الشاعري للساحة الفنية، ويستعد لتقديم ألبوم، ويعمل على إعادة غناء بعض من أغانيه القديمة، كأغنية “بنت بلادي” مع مصطفى شوقي، رغم النقد الذي تعرض له حميد، إلا إن حميد ما هو إلا إمتداد لموسيقى بليغ حمدي، الموسيقى ما هي إلا تطور، وإنتقال من شكل إلى شكل، ومن نوع إلى نوع، ودائما يصعب تحديد اللحظة الفارقة في النقلات الموسيقية، لكل فترة شكلها، ولكل زمن موسيقاه، ثار سيد درويش على كل من سبقه، وثار عبد الوهاب على سيد درويش، وثار بليغ على كل من عاصره، وثار حميد على كل من سبقه أيضًا، وفي النهاية نحن أمام تجربة عظيمة وثرية وضخمة وغزيرة ومتنوعة، أنت أمام الكابو حميد الشاعري رائد الأغنية الشبابية.

نشر جزء منه في ملف حميد الشاعري على موقع معازف 2015