سنة وبضع أسابيع، هي مدة عرض الفيلم الاستعراضي “أبي فوق الشجرة” 1969، ربما هي أكثر مدة عرض فيلم في تاريخ السي المصرية، بعيدًا عن الأسباب هذه المدة، وهل لنجاحه أم لجرأته في ذلك الوقت، أم كان الموقف سياسًا، تحديدًا بعد حرب 1967 “النكسة”.

دون دخول في تفاصيل نقدية عن الفيلم أو ما حوله، لكن أبي فوق الشجرة هو الأخير في مسيرة عبد الحليم حافظ السينمائية، بدأها قبل ذلك بـ 14 عام، وأنهاها بهذا الفيلم الاستعراضي، غنى فيه خمس أغاني هم من أهم أغاني عبد الحليم في مسيرته الغنائية، رغم استمراره في الغناء حتى 1976، والنهاية الجميلة مع “قارئة الفنجان”، كانت أيضًا النهاية السينمائية على نفس درجة الجمال والعظمة.

لذلك سنعيش اليوم مع أغاني أبي فوق الشجرة الخمس، تجمع أهم الأشكال الغنائية التي غناها عبد الحليم حافظ، الرومانسي والاستعراضي والدرامي والشعبي، نبحر مع الألحان والكلمات والموسيقى، الفيلم من قصة وسيناريو والحوار للكاتب إحسان عبد القدوس، وشارك سعد الدين وهبة ويوسف فرانسيس في السيناريو والحوار، إخراج حسين كمال، أول عرض للفيلم يوم 17 / 2 / 1969.

أبي فوق الشجرة من إنتاج “أفلام صوت الفن”، شركة إنتاج يملكها عبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب ووحيد فريد، الفيلم الرابع للشركة، وحكى إحسان عبد القدوس إن شركة الإنتاج كانت تصر على بعد التعديلات المتعلقة بالأفكار التجارية، زيادة عدد الراقصات أو تعديل بعض الخطوط الدرامية في القصة بما يتناسب مع السوق التجاري.

ومن أهم الأسماء في هذه الرحلة، موزع الأغاني وصاحب الموسيقى التصويرية للفيلم، الملحن والموزع الموسيقار علي إسماعيل، علي لحن ووزع أغاني كثيرة لعبد الحليم حافظ، من الرومانسي والوطني والاستعراضي، وهو من أوائل المستخدمين لفكرة الهارموني في التوزيع، باختصار هو صاحب الدور الأهم في هذه الرحلة مع أغاني فيلم أبي فوق الشجرة، قامت الفرقة الماسية بعزف الأغاني والموسيقى التصويرية للفيلم.

استعراض قاضي البلاج

أول أغنية بعد أقل من ربع ساعة من بداية الفيلم، من أهم وأحلى الاستعراضات والأغاني الخفيفة التي قدمها عبد الحليم في مسيرته الطويلة، أغنية تؤكد فكرة الفيلم الاستعراضي بكل خفة وجمال، صمم رقصاتها “حماده حسام الدين”.

الكلمات

للوهلة الأولى ولمحبي لعبة التخمين، تتوهم إن كلمات استعراض بهذا الحجم والتنقل بين أصوات فردية وأصوات مجاميع، والكتابة في شكل حوار في أغلب الاستعراض، أمر قمة في الصعوبة، كتابة المونولوج الانتقادي والفكاهي والاستعراضات من أصعب أشكال الكتابة الغنائية، وله متخصصين مثل فتحي قورة وأبو السعود الأبياري وغيرهم الكثير، لكن كاتب الكلمات هنا هو شاعر الألف أغنية، فارس الأغنية العربية والرومانسية، من كتب أغلب الأشكال الغنائية وغنى أغلب العظماء بكلماته، وعلى مدار أجيال عديدة، من أم كلثوم إلى محمد ثروت، مرسي جميل عزيز، صاحب النصيب الأكبر في أغاني عبد الحليم، وضربة البداية مع الموجي وأغنية “مالك ومالي”، صديق العائلة والأخ الأكبر “إسماعيل شبانة”.

كتب مرسي جميل عزيز الاستعراض بكل خفة، هو من كتب قبله ضحك ولعب وجد وحب في فيلم “يوم من عمري” 1961، من البداية يتضح إن الاستعراض كتب خصيصًا للفيلم، قصة الفيلم وتوقيت الاغنية، وشكل الاستعراض كلها أمور في ذهن مرسي وهو يكتب، السلاسة في تناول القضايا بشكل كوميدي ساخر، ولأن مرسي حصل على دبلوم سيناريو من معهد السينما 1963، كانت الأغنية في شكل سيناريو سلس ومتناسق وغير مقيد بشكل معين أو طريقة كتابة تقليدية.

اللحن

دون تفكير كثير، هذا اللحن صنع منير مراد، صديق عبد الحليم، ومرافقه في الرحلات العلاجية خارج مصر، كان عبد الحليم يتفاءل بألحانه، لحن منير في أغلب أفلام صديقه عبد الحليم، من فيلم لحن الوفاء، حتى أبي فوق الشجرة، منير مراد يحب تلحين الاستعراضات، ويعلم أنه متمكن في هذا الشكل الغنائي، فقد صرح مرة في أحد حواراته الإذاعية قائلًا: “أنا لحن واحد من استعراضاتي بعشر ألحان من ألحان أم كلثوم”، يعيش منير مراد مع الكلمات ليصنع لحنًا متماشيًا مع الجو العام للكلام، يهوى العمل في ورش جماعية، لذلك لم يلحن القصائد، فهو يحب أن يجلس مع كاتب الكلمات والقائمين على العمل كي يخرج العمل في شكل متناسق ومتكامل مع كل الجوانب الأخرى؛ القصة والكلمات والصورة.

من الجميل إن اللحن موجود بصوت منير مراد على العود، ربما كان التسجيل بعد انتهاء منير من تلحين الاستعراض، في التسجيل لن تسمع اللحن فقط ولكن الأجواء المصاحبة للاستعراض من أصوات المجاميع بين المقاطع، أو أصوات آلات الإيقاع التي يصنعها منير بصوته، خلق منير حالة لحنية لكل فئة من فئات الاستعراض (عبد الحليم/ المحلفون/ المجاميع/ الشخصيات المنفردة)، ولعبة منير في التنقل السلس بين المقاطع وبعضها، ولا ينسى بالطبع الميلودي الشرقية بكل وضوح في نصف الاستعراض، يمثل منير اللحن وهو يغنيه بكل تفاصيله، يقدم لعبد الحليم وكل المؤديين في الاستعراض الأداء المثالي.

 

التوزيع

التوزيع فكرة تخيلية في المقام الأول، يتخيل الموزع شكل الأغنية بآلات موسيقية مختلفة، من العود إلى فضاء الموسيقى الرحب، استخدم علي إسماعيل آلات الإيقاع بشكل مستمر وخاصة في المقدمة، مع دخول الكمنجات، وبالطبع آلات النفخ، جعل لكل موقف من مواقف الاستعراض شكل خاص، وكأنك تتنقل من أغنية إلى أخرى، مع تقليل الموسيقى وقت الغناء، لتوضيح مساحة الكلام، كانت آلات النفخ توضح عالم المحكمة من نفس جو الفرق العسكرية، وآلات الإيقاع لتتماشى مع السرعة في أحداث الاستعراض، وأيضًا استخدم آلات النفخ ذات الصوت الهادئ مكان آلات الإيقاع، والرجوع للجو الشرقي كلما أمكن له ذلك مع حالة الكلام، مستخدما أصوات الكورس والضحك والتهليل ليضيف جو المرح والواقعية على الاستعراض.

وبالطبع لا ننسى استخدامه آلة الماريمبا، والسلم الخماسي في توزيع جملة «قاضى البلاج يا قاضى عاشق وجيبي فاضي»، والحفاظ على بهجة الاستعراض طوال الوقت، وفي النهاية أنت أمام استعراض متكامل، قام فيه كل شخص بدوره على أكمل وجه.

الهوى هوايا

الأغنية الثانية في أبي فوق الشجرة، بالتعاون الثلاثي بين عبد الحليم وعبد الرحمن الأبنودي وبليغ حمدي، هذا الثلاثي الذي قدم الشكل الشعبي أمام محمد رشدي، وقدم أيضًا أهم الأغاني الوطنية.

الكلمات

شارك الأبنودي في الفيلم بأغنيتين، هذه واحدة منهم؛ كانت الأضعف والأقل مستوى، لا جديد في شكل الكتابة، غياب الصور المتعارف عليها في أغاني الأبنودي، أغنية تتسم بالتجارية، جمل قصيرة، استخدام للوزن والقافية بشكل دائم دون أي إبداع، أغنية تندرج تحت أسوأ ما كتب الأبنودي خلال مسيرته الغنائية الطويلة والمهمة في تاريخ الأغنية المصرية.

اللحن

بليغ، هو صاحب أكبر تذبذب في تاريخ الملحنين المصريين، لا يعرف اللون الرمادي، تارة يصنع لحنًا عظيمًا، وتارة أخرى تجد لحنًا مفككًا، ضعيفًا، لا يوجد فيه أي شكل إبداعي، أو نقلات لحنية تذكر، الهوى هوايا كانت من هذا النوع، رغم إنه شارك بلحن آخر في هذا الفيلم، سنتحدث عنه لاحقًا، إلا إن هذا اللحن كان الأضعف من بين أغاني الفيلم، والأضعف أيضًا في مسيرة الثنائي بليغ وعبد الحليم، جاء اللحن على مقام البياتي، ونقل إلى مقام الحجاز من نفس الدرجة البياتي في جزء «ندخل كتب الحكاوي».

التوزيع

لم يقدم التوزيع جديدًا، ولم ينجح على إسماعيل في تحسين اللحن الضعيف، ولكنه حاول بكل ما يملك، استخدام الساكسفون “سمير سرور”، والإيقاعات بأشكالها المختلفة، والكمنجات، وكان استخدام الكورس في مكانه، وأضاف للأغنية جو خاص وثقل لم يكن موجود في اللحن، وربما كانت الأغنية أفضل في الحفلات منها في الفيلم، ولكنها تظل أضعف أغاني أبي فوق الشجرة.

 

يا خلي القلب

الأغنية الثالثة، وقبل انقلاب أحداث الفيلم، أول أغنية غير استعراضية، البطل فيها عبد الحليم وميرفت أمين فقط، الأغنية الرومانسية في الفيلم، وهي من أحلى أغاني أبي فوق الشجرة وفي مسيرة عبد الحليم عامة.

الكلمات

مرة ثانية، مرسي جميل عزيز، وتغير الجلد بكل سهولة، من كتب استعراض بحجم وحلاوة قاضي البلاج، يأتي لنا هنا مع هذه الكلمات العذبة والجميلة، غير متكلف، يترك الكلام يخرج وحده، سابحًا في الجمال والهدوء، الاسترسال دون ملل أو إطناب، أغنية جديدة تضاف في رصيد جواهري الكلمة.

اللحن

محمد عبد الوهاب، ولحن واحد فقط في أبي فوق الشجرة، ذلك اللحن العظيم، ليثبت دائما إنه موسيقار الأجيال بكل ما تحمله الكلمة من معنى وثقل، لحن عبد الوهاب أغاني كثيرة في مسيرة عبد الحليم، أغلبها أصبح من أهم محطات عبد الحليم الفنية، هنا مع أحد هذه المحطات، كان أول تعليق لعبد الوهاب عن صوت عبد الحليم، ذكره الصحفي اللبناني ” محمد بديع سربيه”، فقد قال عبد الوهاب إن عبد الحليم يمتلك صوت شجي، هذا الشجن استخدمه دائما عبد الوهاب في عدة ألحان عبد الحليم، أختار عبد الوهاب مقام البياتي، المقام المتلون، يتحرك كفرحة صارخة، وينقلب للحزن المؤلم، ويمكن له أن يرقص بين الجانبين بكل خفة، جمع عبد الوهاب بين الأثنين، لمحة الحزن في اللحن من المقدمة، وصوت عبد الحليم المائل للحزن والغناء من طبقة منخفضة، والتأرجح بين المقاطع صعودًا وهبوطًا، حتى يصل لنقلة اللحن للبهجة بكل سلاسة وخفة كعادة عبد الوهاب، والنزول ببطء مع اللحن، تدريجيًا حتى يصل لنفس نقطة البداية الحزن الجميل، وهكذا من الحزن للفرح ومن الفرح للحزن، ينقل عبد الوهاب الإحساس المرتبط بالفرح، الخوف من فقدان الفرح وأسبابه إي كانت أسبابه، شخص أو شيء مادي، أيضًا كان اللحن وأجوائه مناسبين جدًا لأحداث أبي فوق الشجرة.

في حديث مرة لعبد الوهاب، قال إن المغني ما هو إلا رسول، ممكن أن يؤدي الرسالة بكل صدق كما سمعها من الملحن، وممكن أن يحرف في الرسالة، نسمع في أحد بروفات تحفيظ الحن لعبد الحليم، كان عبد الوهاب يلقن عبد الحليم اللحن بكل ما فيه من نقلات، تجد إن عبد الحليم يفعل كل ما قاله له عبد الوهاب بالحرف، وبالطبع صوت عبد الوهاب وهو يغني اللحن، حتى نقلات اللحنية والموسيقية كان يصنعها بصوته.

 

التوزيع

بعد كل هذا، كانت مهمة علي إسماعيل ممتعة، بعيدًا عن صعوبتها في الحفاظ على جمال اللحن الأصلي، لكن اللحن العظيم يجعل الموزع في رفاهية الاختيار، ومتعة التوزيع، ليصنع أغنية عظيمة، استخدم فيها كل ما يناسب أجواء اللحن والكلام، بداية من المقدمة والكمنجات وآلات الإيقاع ودخول الناي وبعده الأورج، وعلى نغمات الرق والكمان كان دخول صوت عبد الحليم، استخدام الدفوف في المكان المناسب مع الكلام واللحن والصورة أيضًا، آلة الماريمبا، والنقلة بالكمنجات وآلات النفخ، ثم صولوا المندولين العظيم، وأعتقد أن عازف الكمان والجيتار عبد الفتاح خيري هو من قام بعزفه، والوقوع في جمال الموسيقي الشرقي، كل ذلك يحدث مع الحفاظ على مساحة صوت عبد الحليم دون أن تغطي عليها الموسيقى، والهارموني المستمر بين جميع الآلات، دخول صولوا الساكسفون عزف سمير سرور، وصوت ناي محمود عفت الواضحة والتي تضيف جو ريفي جميل في صحبة آلات الإيقاع، والتي تعلو تدريجيًا لتصبح هي الأعلى من بين الآلات، ليصنع علي إسماعيل توزيعًا لا يقل جمالًا عن الكلمات أو اللحن، عمل متكامل ومكتمل.

 

يحكي سمير سرور إن عبد الوهاب كان يرفض استخدام الساكسفون في الأغنية حتى لا يقال إنه يقلد بليغ حمدي، وخوفه من أن الصولو ربع تون، ومن الصعب عزفه على آلة الساكسفون، ومع إصرار عبد الحليم حافظ، وبعد نقاشات كثيرة لم يقتنع عبد الوهاب إلا عندما سمع الصولو بنفسه عبر التليفون، وكان رده “أحسنت يا أبو سمرة”، وهنا تأكيد على ذكاء عبد الحليم الفني، وتعاون الكل لكي نصنع عملًا عظيمًا، ونسمع عبد الحليم يغني يا خلي القلب على العود.

 

جانا الهوى

عودة مرة ثانية مع بليغ، والأغنية الشعبية، هنا نحن بصحبة بليغ عندما يقرر أن يصنع لحنًا يخلد في سماء الموسيقى العربية، لحنًا يضاف إلى مسيرة عبد الحليم الفنية، لدرجة أن الأغنية ظهرت قبل أبي فوق الشجرة، وبالتحديد عام 1966، وبعد نجاحها الهائل، قرر عبد الحليم أضافتها للفيلم لتضيف من نجاحها إلى نجاح أبي فوق الشجرة، وتحية للأغنية بتخليدها، جاءت الأغنية في شكل فيديو كليب، وتم تصويرها في لبنان.

الكلمات

هذه المرة مع الجميل محمد حمزة، حمزة كتب أغاني كثيرة ومهمة في مسيرة عبد الحليم، ولعب حمزة على الكلام البسيط والشعبي، واقتحم بيت الأسئلة الوجودية كأغنية هو صحيح الهوى غلاب، أو كل ده كان ليه، ولكن بشكل شعبي بسيط، قائلًا: “اللي شبكنا يخلصنا”، والتحرك بصور بسيطة وجميلة في موضعها، ودون تكلف.

اللحن

بليغ حين يبدع، يلحق في السحاب، يصنع لحنًا خالدًا، هنا بليغ يلحن على مقام البياتي، ولكن شتان الفارق بين البياتي هنا وفي الهوى هوايا، هنا المقام الرئيسي هو البياتي، ولكن بداخل الغنوة توجد مجموعة مقامات كثيرة، من العجم والصبا والرصد والنهاوند، لحن ثقيل معبأ بالمقامات والطرب والجو الشعبي المعتاد لبليغ.

 

التوزيع

كعادة تعامل علي إسماعيل مع الألحان الجميلة، توزيع أكد على عظمة اللحن، وأتاح فرصة أكبر لظهور جمال اللحن والنقلات بين المقامات، مستخدمًا الكمنجات وآلات الإيقاع بشكل دائم مع الدخول الجميل للناي والأورج، وافراد مساحات للصولوهات، كالساكسفون والأكورديون، لينصع مزيجًا جميلًا.

 

احضان الحبايب

الأغنية الأخيرة.. وختامها مسك، أغنية الدراما والنهاية، أغنية صنعت في أقل من ساعات، على الأقل الكلمات ولحن المذهب الرئيسي للأغنية، أغنية كالكيمياء..

الكلمات

قصة الأغنية الشهيرة، وتحدي الأبنودي في كتابة أغنية نهاية الأفلام، التي كان يرى أن هذا النوع من الأغاني سهل في كتابته، وإنها كيمياء، كلمة جانب كلمة تنصع الأغنية، وكان ذلك في حضرة مفيد فوزي، مجدي العمروسي وبليغ حمدي وكمال الطويل والموجي، وقبل الأبنودي التحدي، وكتب الأغنية في أقل من ساعة، وبدأ يلقي الكلام بطريقة تهكمية، وبدل كلمة يا حبيبي.. قال يا حنفي.. ليؤكد الأبنودي إنه قادر على كتابة أغنية عظيمة مثل أحضان الحبايب.. بكل سهولة.

اللحن

من بين بليغ والطويل، سرق الموجي الأغنية، ومسك عوده في نفس الجلسة السابقة، وبدأ في تلحين المذهب، كي لا يخطف ملحن آخر الأغنية، ومن هنا يتضح إن الموجي صدق الأبنودي، شعر بالكلام و الحزن الساكن فيه، قرر أن يضيف لجمال الكلام لحن لا يقل جمالًا، مستخدمًا صوت عبد الحليم كآلة من ضمن الآلات كما قال الموجي في حواره في برنامج “نجوم على الأرض” مع المذيعة ليلى رستم، كان ذلك بعد أن غنى الموجي الأغنية قبل ظهورها في أبي فوق الشجرة، معللًا ذلك بأن الحق المادي والمعنوي يرجع للملحن لا للمطرب.

 

التوزيع

يشارك الملحن في التوزيع، على الأقل كنوع من التعاون وإبداء الرأي، ومع ذكاء علي إسماعيل في التعامل مع كل ملحن على حدة، لم يدخل آلات غريبة في اللحن، كان اللحن شرقيًا، اعتمد على الآلات الوترية والإيقاعية خاصة الرق، وبالطبع الناي ليضيف لمحة الشجن، كلها أدوات يحبها الموجي ويتميز بها في ألحانه، استطاع علي إسماعيل بمصاحبة فرقة الماسية على إكمال نجاح الموجي وقبلهم الأبنودي. ليغني عبد الحليم بكل ما يملك من إحساس وأداء عظيم.

 

ختامها مسك

النهاية الجميلة لعبد الحليم في السينما، نهاية موسيقية تليق بأحد أهم مطربي الوطن العربي، وجمالها في واقعيتها، نهاية تحمل الفشل بجانب النجاح، أغنية ضعيفة مثل الهوى هوايا، وأغنية عظيمة مثل جانا الهوى، والاثنان لنفس الملحن، نهاية تحمل أغلب الأشكال التي غناها وبرع فيها عبد الحليم، باستثناء الأغاني الوطنية، نهاية تحمل أهم من عمل معهم عبد الحليم في مسيرته الفنية، ماعدا كمال الطويل، نهاية تحلم زخم موسيقي وتوزيعات أضافت الكثير والكثير للتجربة ككل، وألحان أجبرت علي إسماعيل على استخدام جمل منها موسيقية تصويرية لفيلم أبي فوق الشجرة، وأداء عظيم ومتمكن من عبد الحليم، كان عبد الحليم رسول ناجح في توصيل الرسالة والألحان كما خرجت من الملحنين، وقدرة احترافية عالية من الفرقة الماسية في أداء الألحان بكل سلاسة وجمال، ليخرج لنا خمس أغاني تحمل أهم ملامح تجربة عبد الحليم الغنائية.

كتب في 2015