شريف حسن

الشوق، وما أدراك ما الشوق، قلبًا يجلس على جمر، وخيالًا يسبح في الأرق، لا نوم  لا راحة، لا شيء إلا الشوق، مع الجواب الخامس والثالث لحراجي، يفتح حرج الشوق، شوق الغربة، شوقًا مضاعفًا، الجواب بالكامل تفوح منه رائحة الاشتياق والاحتياج للقاء والراحة ولو في الخيال. 

كما عودنا الأبنودي من بداية الجوابات، الصورة من واقع المكان، حراجي لا يريد إلا نظرة تبل الريق، من الأرض للإنسان، من الأرض للريق ومن النسمة للصدر، موسيقى الكلام تزيد من جمال الكلام، لينتقل بعد ذلك للعالم الآخر، من الريف للمدينة، من الأرض الزراعية والبراح والنمسة، للإنفاق والآلات والعمال والمعدات. 

مشتاق ليكِ شوق الأرض لبل الريق ..

شوق الزعلان للنسمة لما الصدر يضيق 

مشتاق

الصورة السينمائية حاضرة دائما في ذهن الأبنودي، يتحرك بشكل سينمائي، يؤكد دائما إنه قادر على خلق الصورة بشكل متكامل، بداية من كلمة غابت عن عيني، الإضاءة تقل تدريجيًا، وينقلك إلى مشهد آخر، مستمر الأبنودي بالتنقل بكل خفة وذكاء بين أسوان وجبلاية الفار، بين المدينة والقرية، المادي والمعنوي، الصناعة والتجارة، الفأس والونش، ويؤكد الأبنودي على الضلمه تساعد على سحب الفكر، في هذا الجزء الذي سقط سهوا أو عمدا من الأبنودي عندما سجلها بصوته، استخدم حراجي كلمة سحب الفكر، ليوضح إن التفكير خارج عن إرادته، فالشوق هو المسيطر وهو المتحكم، ويبدأ الحلم.. 

وامبارح قاعد قدامي عِرق حديد وفإيدي الفحار

غابت عن

عيني الحته اللي أنا فيها وغابوا الأنفار

تحت النفق

الضلمه يافاطنه

بتساعدعلى سحب الفكر

تلاقيكي ولاعارفه الأنفاق.

لهفة الشوق يقابلها سرعة في التنقل بين المشاهد، مع تكرار كلمات مثل “ولقيت” “جبلاية”، يصيب الشوق بالارتباك والتوتر، يفقد الشخص ترتيب الأولويات، فيكنس كل دروب الجبلاية قبل أن يصل للبيت وكأن حراجي غريب وسط الجبلاية، كل ذلك بسبب الشوق.

 ولقيت نفسي يافاطنه طيره مهاجره

والطيرة جناحها محتار

ولقيت نفسي على بوابة جبلاية الفار ..

باخدالأحباب بالحضن

كانس كل دروب الجبلاية بديل توبي

طاوي كفوفي وباخبط بيهم على صدر الدار

«من يوم ماعنيكي يافاطنه ..بلت شباك القطر لسوعتي بدمعك ضهر يديَ»، دمعة فاطنه غالية عند حراجي، مثل ما لسوعت الدمعة يد حراجي لحظة الوادع (الجواب الأول)، يعود حراجي في الجواب الخامس ويؤكد مرتين “مسيت الدمعة في حزنك بإيدي”، الدموع هي أول وآخر اتصال بينهم. 

قلتليلي مين؟

مسيت الدمعة فحزنك بإيدي

مسيت الدمعةاللي فحزنك 

الشوق هو المحرك والبطل الأساسي للجواب الخامس، يتصاعد الشوق كلما اقترب اللقاء، حتى لو كان في خيال حراجي، لدرجة إنك ترى اللهفة في أعلى دراجتها مع جملة “ماعرف خدتك في حضاني ولاأنتِ خدتيني فحضنك”، لحظة ينفجر فيها الشوق، يلتحم الجسد بالجسد، وتهدئ نار الشوق تدريجًا. 

التورط الأكبر هو الأهم، أن تتورط في القصة ككل هو الأهم عند الأبنودي من التورط اللحظي أو الجزئي، يورطك الأبنودي في الكل، ويتركك تتورط بكامل حريتك في التفاصيل الصغيرة على مهل، مع لحظة الاندماج مع هذا المشهد المؤثر، المليء بالمشاعر والشوق، يلعب الأبنودي باللغة، العامية، عصا الساحر، موسيقى الكلام تخرجك من الحزن والدراما للابتسامة خفية، ابتسامة رضا، ابتسامة بل الريق. «وعزيزة و عيد حواليا بيشدوا الجلابية..وقعدت بناتكم ..وبكيت ..وضحكت لما لمحت عصايتي وتوبي ..وفاسي ..ومداسي»، كما فعلها في الجواب الثاني وأيضًا كان الحديث عن الشوق والوحشة والأطفال. «اطلع وأخش..أطلع وأخش القاه..غيمان». 

انقطاع الحلم بوصول المهندس، انتهى الحلم، تخيل إن كل ما سبق كان في خيال حراجي، لم يتحرك حراجي من مكانه، نجح الأبنودي في تحويل الحلم لمشهد سينمائي، ويأتي وسط الكلام مع المهندس، عنوان الجواب ومحتواه.. 

وسألني ..قلت الشوق

يرد حراجي على كلام فاطنه في الجواب الثاني والأول لها،«شهرين يابخيل؟ستين شمس وستين ليل؟ النبي ياحراجي ما أطول قلبك لأقطع بسناني الحته القاسية فيه»، ويؤكد جملته في الجواب الأول «ولو الورقة يابت الخال تكفي لأعبيلك بحرالنيل والله يكفيِ»، ويؤكد بعد ذلك على ذهاب عيد للكتاب، «والأمر ده بس يافاطنه يعوز شوره»، نسى الأبنودي إن فاطنه لم تطلب المشورة، «أنارح أشيع عيد عالكتاب ..فبعتله ووصيه على شدالحيل» ربما لم ينسى الأبنودي وجعل حراجي يشعر وكأنها تستشيره في الأمر. 

أما عن نفسي ..فأنا لابخيل و لاشيء

كيف اللي فقلبي بس ياناس أرويه في جواب؟ 

الفطير، استراحة الجواب بعد تعب الشوق، حلم اللقاء الخيالي بل ريق حراجي، كما فعل الفطير أيضًا، «يعني أنا دقته؟ والنبي بعينا قعدت أتفرج عالرجال بياكلوه»، يكفي من حراجي أن ينادي لحبيبته بكلمة “بت يا فاطنه” لتبتسم وتستعد لتسمع جملة غزل بسيطة وعفوية، من القلب للقلب، ترى ابتسامة فاطنه ووجها الذي أصابه حمرة الخجل، وكأنها هدية الجواب، قبلة على قلب فاطنه وجبينها، قبلة شكر لوجدها واحتوائها وحبها..

 بت يافاطنه

النبي في الدنيا مافيه واحده بتسوي فطير زيك

شفت ده في عنين الرجالة 

ينهي حراجي الجواب كعادته بالسلام للأهل والأطفال، كالعادة يضيف وصوت الأبنودي سحر خاص على الجواب، فلنسمع الجواب الخامس..

نشر في موقع قل